الدكتور / عبد المحسن الأحمد
الحمد لله العظيم في قدره العزيز في قهره ..
نحمده على القضاء حلوه ومره ..
لا إله إلا هو مالك الملك ..
يؤتي الملك من يشاء ..
وينزع الملك ممن يشاء ..
ويعز من يشاء ..
ويذل من يشاء ..
كل ملوك الأرض عبيد عند الله ولا يملكون شبراً من أرضه لولاه ..
وكل أغنياء الأرض فقراء عند الله حفاة عراة لا يجدوا ما يأكلون ولا ما يشربون لو لم يكسهم ويطعمهم الله ..
وكل أقوياء الأرض والسماء ضعفاء عند الله ..
وما حرّك مفاصلي ومفاصلكم ومفاصلهم إلّاه ..
الملك من ولّاه !!..
والغني من أغناه !!..
والقوي من قوَّاه !!..
والعاصي على عصيانه من يحلم عليه وهو قادر عليه من يراه ..
سبحانه لا ربَّ يُعبد ولا ربَّ يُخشى سواه ..
ما أعظمه ، وما أحلمه ..
عصاه العاصي ؛ فرآه ؛ ثم أمهله ؛ ثم عصاه ..
ستر عليه ؛ فعصاه ..
استصلحه ؛ فعصاه ..
ضيَّق عليه ؛ وعصاه ..
أغدق عليه من النعم ؛ فعصاه ..
ثم بلا موعد ..
ثم بلا موعد ..
أخذه فلم ينفعه تحت الأرض دعاه ولا بكاه ..
{ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ } ..
رأيت ما لم يره الكثير منكم ..
وقفت أنا ومَلَك من ملائكة السماء ..
خُلق من نور يا من خُلقنا من تراب ونسينا ..
ما عصى الله قط ..
يا من حُمّلنا جبال الذنوب على عواتقنا ونسينا ؛ إلا من رحم الله ..
وقفت أنا وملك الموت في نفس التوقيت ، ونفس المكان ؛ في المستشفى ؛ وخارجها إلى هذا اليوم ( 24 ) مرة ..( 24 ) مرة ..
ليس هذا بغريب أن أقف أنا وملك الموت وأرى إنسان يحتضر أو إنسانة ( 24 ) مرة ..
هذا ليس غريب ..
{ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ، كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ } ..
فالجميع سيرحل ..
والجميع بعدها سوف يُسأل ..
{ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } ..
أما قال ربنا عز وجلّ : { إِنَّكَ مَيِّتٌ } لمحمد عليه الصلاة والسلام وهو حي يمشي فمات ..
{ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} ..
فهذا ليس بغريب ..
إذاً ما الغريب !!..
الغريب ..ما خُتمت من هذه الصحائف بلا إله إلا الله إلا صحيفة ..
صحيفة واحدة هي التي ختمت بلا إله إلا الله ..
لا تجرب الآن ..
أخي لا تجرب الآن ..
تستطيع أن تقول مليون مرة لا إله إلا الله ..
الموعد أخي ليس الآن ..
الموعد { كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ ، وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ، وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ } ..
أخي ..أختي ..
سوف تذكرون هذا الكلام ولكن على أي حال !!..
هذه إحداهن كانت في المستشفى تتحدث ؛ تتحرك ..
آخر من كشف عليها أنا حين نزعت السماعة من أذني ..
إذا بها تقول بالحرف الواحد : الله يعافيكم شلون التحاليل ؟!..ترى والله ملينا من ذا المستشفى ؛ متى نطلع ؟..
فأرسلنا تحاليلها إلى المختبر في الأرض ..
وأرسل من في السماء {مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ }رسولاً لا يعصي له أمراً ..
ما هي إلا لحظات ..
العينة تُفحص تحت المختبر ..
وملك الموت عندها في الغرفة ..
لحظات ..
وأنا أُقلب في ملفها خارج الغرفة ..
إذا بالممرضة تأتي بسرعة فزعة ..
قالت : تعال شف ..
فلما دخلت الغرفة ..
رأيت فتاة غير التي رأيت ..
التي رأيت قبل قليل تحرك اليدين وتقول ملينا ، ومتى بنطلع ..
هذه الأيادي التي أُرسلت ، ثم أُقبضت والله ما رأيتها إلا تعطلت ..
اللون شاحب ..
والبصر خاشع شاخص ..
الأطراف ممدة ..
والشفاه ترتعش ..
نظرة سريعة لجهاز المراقبة إذا بنبضات القلب كانت 80 – 62 – 45 ..
ضغط الدم ينزل ..
بدأت أرى معالم الفراق على وجهها ..
خشيت أن تُغلق الصحيفة بغير لا إله إلا الله ..
كما أغلقت الصحف من قبلها ..
( 24 ) حالة _ والذي نفسي بيده _ ما قال لا إله إلا الله إلا واحد ..
لا تستغرب الآن ولا تجرب ..
تستطيع الآن أن تقول مليون مرة ..
الموعد ما هو الآن ..
فأسرعت قلت : لا إله إلا الله ..
وإذا بالشفاه ترتعش كأنَّ عليها جبل لا تتزحزح ..ترتعش بلا أحرف ..
كررتها الثانية ..
الثالثة ..
ما بقي إلا عدة نبضات ..
خشيت أن تُغلق الصحيفة بغير لا إله إلا الله ..
أسرعت عند أذنها يا أخوان ولقنتها في المرة هذه تلقين قلت:قولي لا إله إلا الله ..
ولا أحرف تخرج ..
لما كررت عليها ، واشتد النزع ، وإذا بالمرأة تعالج السكرات ..
الحنجرة تدخل وتخرج ..
وإذا بالنزع يشتد ..
فما هو الملك ينزع الروح إلا وبدأت أسمع حشرجة ، وبعض الحروف تخرج ..
كررتها لا إله إلا الله ..
سمعت أحرف ، وصوت متحشرج ..
هل كانت لا إله إلا الله !!..
لا والذي نفسي بيده ..
والروح تُنزع ، والصوت المتحشرج ببيت يُغنى مُلحن بصوت متحشرج ..
وإذا بها تغني بيت حتى لا يدعها تُكمل البيت الثاني إلا والروح قد خرجت من المستشفى ..
ماتت ..
هل تعرف آخر صفحة في السجل ..
في سجل حياتها آخر صفحة ..
غنّت قبل أن تموت ..
تعرض يوم القيامة على الجبار مغنية ..
طبعاً لا نعرف هذا المعنى الآن ..
ها هي الآن لها قرابة السنة تحت الأرض ..
والله لو تصطرخ في كل يوم وتعض الأصابع وتبكي الدم ..
ربي أخرجني ..
والله ما أسمع إلا ما يرضيك ..
ولا أرى إلا ما يرضيك ..
وأقوم الليل ما أنام ..
وأصوم النهار حتى أموت ..
هل ترجع ؟!..
{ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَـكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } ..
قال رسولنا عليه الصلاة والسلام كلمات عربية ؛ ونحن عرب ويا ليتنا نعي بقلوبنا لا بأسماعنا ..
قال رسولنا عليه الصلاة والسلام :
(من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة ) ..
ضع تحت ( آخر كلامه ) عشرين خط ..
ما قال الرسول عليه الصلاة والسلام من كان أول كلامه ..
ولا قال من كان أوسط كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة ..
لأنهم أمم يقولها في الأول ، ويقولها في النصف ، وآخر فرض لحق عليه فوق الأرض رفع السبابة في التحيات قال : أشهد أن لا إله إلا الله ؛ حرَّك السبابة ، وحرَّك الشفاه ؛ وقلبه ما تحرك ..
فهيهات ..هيهات ..
أحدهم اسمه محمد على محمد صلى الله عليه وسلم ..
والآخر اسمه خالد على خالد بن الوليد ..
ما نفعتهم أسماؤهم ..
هل تعرف ماذا كنت أنت يا من ظلمت نفسك قبل أن تتكبر ..
والله الذي لا إله إلا هو لو وعينا هذا الكلام لتغيرت أحوالنا ..
خذ أصلك وأصلي ..
لم تكن شيئاً مذكوراً ..
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ } ..
هل رأيت التراب الذي تمشي عليه ، ولو علق بثوبك لأزلته ..
هذا هو أصلك ..
وغداً يكون فوقك تراب ، وعن يمينك تراب ، وعن يسارك تراب ، ومن تحتك تراب ..كأنك ما خرجت من التراب ..
ثم بعدها ..
{ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } كنت في يوم من الأيام لو غُسلت من الثياب لأُزلت ..تُغسل ..نطفة .. لم تكن شيئاً مذكوراً ..
ثم بعدها ..
كنت علقة { ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ } قطرة دم _ ما أضعفك _ متعلقة في الرحم ..
والله لو اجتمع الإنس والجن بعلمائهم وخبرائهم وأجهزتهم وقالوا نخلق له شعرة ؛ ما خلقوا لك شعرة ..
ما هو قلب ينبض ( 115000 ) نبضة في اليوم ..
ولا كلى تُغّسل ( 36 ) مرة في اليوم ..
شعرة ..لا يخلقون لك شعرة !!..
ثم بعدها ..
منَّ عليك المنَّان ..
كتب لك الحياة ..
ثم كنت قطعة لحم متعرجة { ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} مضغة ..كأنها مُضغت ثم أُلقيت ؛ لا لها يد ، ولا قدم ، ولا عين ، ولا أذن ، ولا تملك شيء
{ وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ ..}..
ليه ؟!!..
حتى تخرج تقول : لا تدقق !! _ ما أضعفك _ { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ..
ثم تسعة أشهر في هذا الرحم ظلمات ثلاثة ..
ظلمة المشيمة ، وظلمة بطن الأم ، وظلمة الرحم ..
من يراك ؟!..
{ إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء ، هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ } ..
أمك ما تراك !!..
{ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } ..
ثم بعدها ..
تخرج _ ما أضعفك _ ما بين خمس مليار هو خلقهم وشقَّ سمعهم وأبصارهم لكن ..
أنت يختصك من بين الخمسة مليار ويجعلك مسلم ..
لا بيد منك ، ولا بحسب ، ولا بنسب ..
{ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ } ..
ثم من بين هؤلاء المسلمين يجعلك سنّي ؛ على سنة محمد صلى الله عليه وسلم ..
{ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ } ..
{ ولَكنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَاْ يَعْلَمُونَ } ..
ها هو أحدهم ..
أخوتي رأيته في أحد الممرات في المستشفى ..
بعد ( 27 ) سنة ..
كما متعك الجبار اليوم يتحرك منك الآن ( 360 ) مفصل متى ما أردت أن ترسل اليد أو تقبضها لا تعصيك ..
أعطاها الله ( 27 ) سنة ما تعصيه أطرافه ..
هو بنفسه يقول: أنا أدبني الجبار..ويا ليته يعيد لي ما سلب مني والله لا أعصيه ..
وأنا أقول في نفسي { آلآنَ} ..
كيف رأيته يا ترى بعد القوة !!..
والله لقد رأيته قد انطوى في أحد ممرات المستشفى على العربية ..
أول ما رآني استبشر ..فرح ..
لأنه ما يستطيع يروح مثلي ومثلك ويناظر الناس ..
فيفرح إذا رأى إنسان مرَّ من عنده ..
أفضل نزهة له في ممر المستشفى ..
فأول ما رآني قال لي بالحرف الواحد : الله يعافيك دقيقة ..
فلما أتيت عنده قال : ابطلب منك خدمة الله يعافيك ..الله يجزاك عني خير ؛ تكفى بس تدفني لين باب الحمام _ أعزكم الله _ ..
المشوار ما أخذ مني سبع خطوات ..
فلما وصلنا عند الباب ؛ وإذا به يرفع الأعين ينظر بحياء